الشيوعية العمالية في العراق

جمعية ماركس ٢٢ اب ٢٠٠٠ (لندن)


أيها الرفاق، أود الحديث عن بعض النقاط التي تتعلق بموضوع الندوة. وبعد ذلك، سأوضح، بدوري، رأيي وموقفي من النقاط التي طرحت هنا. إن السؤال المطروح، أساساً، أمام الندوة هنا هو ما هو وضع الشيوعية العمالية في العراق؟ ما هي معضلاتها؟ كيف بوسعها التقدم، وفي أي وضع هي من الناحية الاجتماعية؟ في كردستان العراق، ينبغي ان نضع في الحسبان بعض العوامل: كنا، خلال السنوات التسعة المنصرمة في كردستان العراق، امام اوضاع تفتقدها اماكن اخرى من المنطقة، أي اوضاع بوسع الشيوعية ان تمارس فيها نشاطها بصورة علنية. شيوعية تمكنت من ان يكون لها مكتب، وأن ترسل جريدتها إلى المطبعة وان تبرم اتفاقاُ حول ذلك، بوسعها ان تنصب محطة إذاعية، وبوسع قادتها التجول في المدينة، تصافحهم الناس وتسأل عن احوالهم، بوسعهم ان يدعوا ضيفاً، والمشاركة في مجلس عزاء، بل حتى بوسعهم ان ينظموا قوة مسلحة والظهور بصورة مسلحة. لقد توفرت لنا هذه الاوضاع لمدة ثمانية أعوام في كردستان. انها اوضاع طالما تمناها شيوعيو بلدان مماثلة. أي الأوضاع التي لا تواجه فيها خطر السجن والاعدام لمجرد كونك شيوعياً. وليس هذا فحسب، بل انك تتمتع برخصة القيام بالنشاط العلني والقانوني. إن السؤال الذي يطرح نفسه امامنا هو: لماذا لم تتمكن حركتنا، بعد ثمانية أعوام من النشاط العلني وفي أوضاع شبه ديمقراطية، من الاستفادة بصورة كافية من هذه الاوضاع لنيل السلطة السياسية او للاقتراب من السلطة بحدٍ كافٍ والتحول إلى تيار اساسي في المجتمع؟

لقد كان هذا منذ البداية هدف الحزب الشيوعي العمالي او الحركة الشيوعية العمالية في العراق حيث يتمثل موضوع بحثنا اليوم باطار كردستان. على الاقل ان الابحاث التي طرحناها وكتابات الرفاق انفسهم تتعلق بهذه المسائل ذاتها. فما هي العوامل التي تقف وراء كوننا، وبعد ثمان او تسع سنوات من النشاط الذي تحملته برجوازية مسلوبة القدرة على قمعنا، مانزال قوة بالأبعاد والحجم ذاته، وربما حتى اصغر من الناحية التنظيمية مقارنة بالابعاد التي كانت لدينا عند البدء بعملنا؟ ما هي هذه العوامل؟ وما علة هذه المسالة؟ برأيي، ان هذه هي نقطة انطلاق البحث. ذلك لاننا نواجه، ولاول مرة، ظاهرة باسم المجتمع والنشاط السياسي في المجتمع. ان السياسة ضد الانظمة الديكتاتورية القمعية هي عمل سهل. ان النشاط المسلح ضد جيوش قمعية هي عمل سهل بحدٍ استثنائي. بيد ان الفعالية السياسية في اوضاع يكون فيها الناس على استعداد للإصغاء إليك وتنتزعهم من قوى الطبقة البرجوازية وتجتذبهم إليك هو عمل صعب بصورة استثنائية بالنسبة لحركتنا. هكذا هي الأمور مع حركتنا. ان تنظيم هبة مسلحة سرية وتحررية هو عمل قام به الكثيرون وذلك لان المعادلات فيها بسيطة. جماهير ناقمة، غير راضية، توزعون الاسلحة، تشكلون منظمات سرية تنخرط فيها الجماهير، وتحارب، وتقفون بصورة مسلحة بوجه بعضكم البعض. وتحدد الأسلحة والمنطقة وغيرها الامور، ولكن حين لاتكون هناك الاوضاع الاستثنائية للاحتلال العسكري، وحين لا يكون هناك النضال المناهض للاستعمار، والنضال ضد الحكومات القمعية التي يكن الجميع مشاعر السخط لها، بل حين يكون من المقرر أن نذهب لنصرح على صعيد المجتمع وفي إطار اجتماعي حول انه ينبغي في المجتمع انتزاع السلطة من البرجوازية، فانه عمل صعب.

في اوضاع اجتماعية تنطق البرجوازية بمالديها ولديها موالين، ينبغي علينا نحن الشيوعيين ايضاً ان نفتح مكتباً ونقوم بفعاليتنا، مثل بريطانيا، مثل السليمانية. في هذه الاوضاع، ما هو الامر الذي يقف وراء عدم تمكن حركتنا من تحقيق اهدافها؟ ان ٨ او ٩ سنوات، هي فترة طويلة، طبقاً لمقاييس عالمنا المعاصر. انها تشمل من ١٩١٧ إلى ٤ اعوام بعد وفاة لينين! ان كل الحرب العالمية الثانية استغرقت ٨ أعوام. ثورة (١٩٧٩) الايرانية امتدت بين عامين إلى عامين ونصف، الثورة البرتغالية استغرقت بحدود عامين. كم استغرقت كومونة باريس؟ كانت لدينا ٩ اعوام لنعمل مع الجماهير في المجتمع لنغير الاستقطاب لصالح الشيوعيين، ولينتزع العمال السلطة ويحققوا الحرية ترسيخها. لماذا لم نتمكن من ذلك؟ لا يتعلق الموضوع قط بمسالة لماذا لم تقل هذا إلى فلان او ماذا كان عليه الخط وماذا عملنا. علينا العودة لنرى ما هو الشيء الموجود في المجتمع والذي لا نراه او حتى لو نراه ليست لدينا القدرة على رفعه؟ قد يقول احد ما ليس لديكم فرصة. لقد كانت لديكم ٩ سنوات، لم يقف احد ما حائلاً امامكم. بل حتى الحكومة منحتكم أموالاًً. قالوا اذا اردتم، سندفع إيجار سكنكم ونقدم لكم مقداراً من ميزانية كردستان العراق أيضاً. تفضلوا واجلسوا مع رئيس الدولة، اعقدوا اجتماعاً معه واطرحوا مسائلكم. انصبوا محطتكم الإذاعية وهناك بناية رهن تصرفكم لذلك ايضاً. لقد عملوا كل هذا ولم نستطع المضي للامام. لماذا؟

ان نفس الحزب الشيوعي العمالي العراقي لو كان في اوضاع قمعية، ولو كان يعمل تحت قمع صدام حسين لبين الان عن نمو كبير، لقام بحشد اناس كثر. في الاوضاع السرية، وفي اكثر الظروف حدة، خاض صراعه، مثلما قام بنفس العمل في فترة سابقة. فقد تنامت المحافل الشيوعية بنحوٍ لم يتوقعه احد ورفعت رأسها. ولكن ما ان قالوا لهذا الحزب ان هذا هو المجتمع تعال وقم بنشاطك وفعاليتك، تراه يراوح في مكانه.

برأيي، هنا يجب علينا ان نعود إلى الموضوع. لم اكن حاضراً في الجزء الاول من بحث كورش. انه بحث القيادة، بحث تشخيص الاليات الاجتماعية، بحث الحزب والمجتمع. برايي، ليس ثمة أية منطقة بقدر كردستان العراق تشير إلى حاجتنا إلى فهم وادراك بحث الحزب والمجتمع. اوضاع كان من المقرر ان تجعلوا الجماهير مخاطبكم وان تعملوا على نطاق كبير وان تضعوا ايديكم على المسائل المحورية للمجتمع، ان تخلقوا استقطاباً في المجتمع وان تظهروا بوصفكم قادة اجتماعيين لا قادة تنظيمات. أوضاع بمقدوركم الارتباط فيها بالجماهير. ويقترن اليوم مجمل مستقبل الحزب الشيوعي العمالي العراقي والحركة الشيوعية العمالية في العراق بتصويب انظارنا مرة اخرى إلى بحث الحزب والمجتمع فيما يتعلق بالشيوعيين وان نفهم ماهي المشكلة؟

ان الحزب الشيوعي العمالي الايراني لا يتمتع بنفس الأوضاع التي يتمتع بهاالحزب الشيوعي العمالي العراقي. فنحن حزب معارضة، حزب معارض، بالمفهوم السري وغير القانوني. ولكن، وفي نفس العامين المنصرمين التي ازداد فيها انتباه المجتمع الينا، طرأ تغير على حياة مجمل الحزب. لقد تغيرت، وإلى حد كبير، الاليات التي عملنا بها عادة في الحزب الشيوعي العمالي الايراني او في أي منظمة خلال العشرين سنة المنصرمة والتي لدينا المام بها مثل النشاط السري، جداول الرمز، تنظيم المحافل الصغيرة لايصال الجرائد إلى طهران. ينبغي علينا الان الرد على رؤساء الحكومة في طهران الذين يلصقون الاكاذيب بنا، ويقومون بالدعاية ضدنا في تلفزيون طهران. علينا ان ننصب محطة اذاعة لنردَّ عليهم في طهران ورشت وعبادان، وغدا من المفترض ان نظهر على هذا الصعيد والمستوى، والان نرى حقاً ما يقولون وهو ان لدينا قادة قليلون او لا نملك قادة. ان الحزب الشيوعي العمالي يمتلك في مرحلة القمع والاستبداد التام كوادر وقادة، ولكن، وبمرة واحدة، تلاحظون انه لامر يلفت انتباهنا وهو اننا، وللصراع مع رضا بهلوي وخاتمي او الملكيين او تيار الثاني من خرداد (التيار المؤيد لتوجهات خاتمي-المترجم)، ينقصنا القائد. اننا بحاجة إلى ٥٠ شخص اخر كذلك كي نتمكن من الحفاظ على خندقنا، ناهيك عن المضي قدماً.

ان الأوضاع الاجتماعية التي عملت في ظلها الشيوعية العمالية في كردستان هي خاصة إلى حد كبير.

اولاً، يطرح الجانب العلني للنشاط نفسه أمامنا. بيد ان العلنية القائمة امامنا ليست علنية حكومة ديمقراطية، بل علنية اوضاع هيمنت فيها عشيرة وعصابة مسلحة على الحكومة. أوضاع شبيهة بأفغانستان، أو الصومال، ومن المؤكد ان المجتمع في كردستان العراق، له اوجه اجتماعية اكثر اذا ماقورن بافغانستان والصومال، ولكن فيما يخص طبيعة علاقة السلطة السياسية بالجماهير، فانها من نوع مثيلتها في افغانستان والصومال. حفنة مسلحة انتزعت السلطة هناك ولم نمنحهم لا انا ولا انت أصواتنا، لم تشترك في الانتخابات ولم تأتِ على اكتاف الاعلام. لقد ارست السلطة السياسية بفوهات البنادق، وفي اطار كرمها وتصدقها يمكنك الحديث. ومن الممكن ان تنتقل السلطة من هذا الطرف إلى ذاك بقوة السلاح. فقبل اربعة سنوات، صحونا فجأة لنرى ان نفس حكومة السليمانية لم يعد لها وجود. جاءت حكومة اربيل وتلاشت حكومة السليمانية التي فرت إلى الجبال. بعد هذا الحدث، تشكلت حكومتان او ثلاثة وولت. عقدوا صفقة فيما بينهم وعادت حكومة السليمانية مرة اخرى، وعلى الاقل، حصلوا على السليمانية لانه لم يكن من المقرر ان تحسم السلطة في كردستان لصالح طرف واحد فقط.

مرة اخرى، قد سلموا اربيل إلى هذا الحزب والسليمانية إلى ذاك الحزب . ان هذه ليست حكومة. انها نظام عسكري ولكنه لا يملك القدرة على قمع المجتمع. إنها ليست مثل نظام الخميني او الحكومة الايرانية الراهنة او حتى حكومة مصر التي تملك قدرة القمع. ان نفس حرية الفعالية السياسية التي تتمتعون بها في السليمانية بوصفكم شيوعيين عماليين لا تتمتعون بها في القاهرة. يمسكون بكم من اذنكم ويلقون بكم في السجون ويطلقون عليكم الكلاب. ان القدرة الدعائية ذاتها لا تملكونها في موسكو. لان مافيا ما ستأتي وتخطفكم. ولكن في السليمانية، ونظرا لكون من يحكم هو نظام عسكري، ونظراً لكونه تيار عشائري-عسكري يمسك بزمام السلطة، ولا يلبي متطلبات احد، فإنه، في هذه الحالة، يكون مجبراً على تحملك.

النقطة الثانية، لم تعد أوضاع كردستان العراق أوضاع مجتمع. انظر! ليس هناك مجتمع يجري في ثناياه انتاج اجتماعي، توجد فيه اجور ونضال من اجل الاجور، لديه نمو اقتصادي، وميزانية على الحكومة ان تقرها، ويشب جدل وصراع حول تقسيم الثروة في المجتمع، او يجري فيه صراع حول المستقبل الثقافي والايديولوجي للمجتمع او حول ما تكون عليه التربية والتعليم او ما يحل بحقوق المراة.

فما ان بدأت حرب امريكا والعراق (حرب الخليج ١٩٩١-المترجم)، قال حينها نفس الاشخاص الذين على رأس قيادة الكوملة اليوم: يا للروعة! ان حكومة كردية في طور التشكيل، كان البحث الذي طرحناه في وقته بوجه هذه الرؤية هو ان هؤلاء يمضون نحو اقامة مخيم للاجئين، ويسلمون مفاتيحه إلى جلال الطالباني ومسعود البارزاني، وليس مجتمعاً يجري فيه الانتاج. في مخيم اللاجئين هذا، تحول اليهما ايضاً المعونات الغذائية. ولان المعونات بيدهم، وهم من يقوم بتوزيعها، فأية قوة مقتدرة تستطيع ان تسحب العامل من نفوذهم؟ يقول الناس ان معيشتنا مرهونة بكون العلاقة بين هؤلاء ومسؤولي مخيم المشردين وبين امريكا حسنة. كيف انتزع السلطة في السليمانية حين لا يكون هناك، في الوقت ذاته، مقومات انتاج ومعيشة؟ ان حكومة جلال الطالباني المدعومة من قبل امريكا والامم المتحدة هي التي تضخ المعونات. ولو اتينا انا او انت للسلطة، سيتوقف ارسال الأموال هذه. ان الناس تعرف هذا. وحتى لو لم تقله، فانها تعرفه. لماذا لايلتفتون الينا؟ لانهم يعرفون القضية. انتبه، ما هو سبب ذلك؟ لو كنت كردياً من ساكني السليمانية، لكنت قد حرصت بكل طاقاتي على ان لا يطاح بجلال الطالباني. لانني لا اعرف من اين تؤمن اللقمة اللاحقة لهذا البلد؟ ماذا سأعمل ان ساءت علاقة جلال الطالباني بامريكا؟ لدي اطفال، لدي عائلة. ونريد العيش. يقولون، مهما يكن من امر، اللهم ارحم بابائهم لانهم في المطاف الاخير جعلوا الشوارع امنة وبالوسع الذهاب والاتيان بالغذاء من مكان ما لأكله. في كردستان العراق، ليس ثمة اقتصاد حتى تقول ساذهب الان للسيطرة على وسائل الانتاج. اية وسائل انتاج؟ ان ٨٠٪ من حياة ذلك المجتمع مرهونة بالمكانة الدولية للحكومة الكردية الحاكمة فيه. في امريكا، لم يقل احد ما انه لو أتى خسرو سايه، ناسك احمد او طاهر حسن إلى الحكم أيضاً، سيستمر تقديم هذه المعونات. اننا نعلم والناس تعلم أيضاً اننا لو اتينا إلى السلطة، واستلمناها سينهار المجتمع غدا جراء الجوع والفاقة. نحن لا نواجه مجتمعاً في كردستان بوصفه عاملاً واقعياً. بل نحن نواجه أوضاع عدم وضوح مصير المجتمع. فالناس تفتقد للهوية الاجتماعية، وتفتقد للهوية الحقوقية. أي لا يوجد جواز سفر باسم جواز سفر كردستان العراق. هل لاحظتم ان ليس ثمة مطار في السليمانية؟ في فلسطين، تتمثل احدى الدعاوى الاساسية لفلسطين على اسرائيل بمطار فلسطين. يقول الفلسطينيون نقيم مطاراً هنا كي نستطيع ان نذهب إلى الخارج ونعود دون ان نكون بحاجة إلى اسرائيل، كي اتمكن من أن اكون دولة. وإسرائيل تقول لا! المطار ليس جزءاً من المفاوضات.

لو كانت كردستان، خلال السنوات الثمانية هذه، دولة، لأصبح لديها الآن مطاران، ولتمكنت الرحلات من الذهاب والاياب إلى اسطنبول وانقرة. في هذا البلد كان ممكناً مد انابيب غاز عبر تركيا، ليأتي التجار ويشتروا. كردستان العراق ليست بدولة. ولا يمكنها ابرام اتفاق نصب انابيب غاز مع احد. لا يمكن بناء مطار لأحد ذلك أن ليس هناك شركة طيران في العالم تغادر إلى مكان ذا وضع مجهول ومبهم. يقول: أ أذهب بالبوينغ إلى جبال وتلال لا يعلم احد من هو صاحبها؟ من اجل من أقوم بهذا؟ من الذي أكرمنا بهذه السماء كي نتمكن من السفر إلى هناك. طالما تفتقد إلى هوية دولة، طالما ليست بدولة، طالما لم يعترف بظاهرة ما بوصفها مجتمعاً، طالما ان جغرافيتها السياسية والحقوقية غير معلومة، طالما انك لا تعلم، بوصفك كردي من سكان العراق، وبوصفك من اهالي السليمانية، أن تقول للناس انك مواطن أية دولة، وان الدولة التي تقطن فيها ليس لها علم في الامم المتحدة، ولست شيئاً. ان القوانين التي تحدث ماركس عنها فيما يخص التطور الاجتماعي والتي تصح بالشكل ذاته على لندن، فانها لا تصح على كردستان العراق. وبرأيي، على سبيل المثال، لا يشمل افغانستان الان بحث الصراع الطبقي. بالطبع، أن افغانستان تختلف كثيراً عن كردستان، حيث ان اوضاعها اكثر انهياراً. ولكن الطبقات ماتزال تحافظ في كردستان على قوامها الذي كانت عليه قبل هذه المرحلة. ولكن لا اعلم إلى أي حد ان اقتصاد كردستان العراق اليوم منوط بانطلاق صافرة بدء العمل في المعامل والقيام بالانتاج والبيع والشراء، وإلى أي مدى يكون هذا الاقتصاد مرهوناً بضخ المعونات المالية من قبل العالم الغربي اليه؟

وليس من المعلوم مَنْ الذي يمسك بدفة الأوضاع على بضعة كيلومترات خارج السليمانية. ان الصاحب الاساسي للبلد في بغداد، وهو نفسه تحت حصار اقتصادي. ولكن من الممكن ان يعود في أي يوم ويسيطر مرة اخرى على كردستان العراق. ليس ثمة قانون دولي يدافع عن حكومة جلال الطالباني في السليمانية. أي اذا جاء صدام وعصف بحكومة الطالباني، فان الغرب سيستشيط غضباً لان صدام حسين قد قام بذلك، ولكن لن يذكر احد ما ان الحكومة القانونية لجلال الطالباني قد اطيح بها. بوسع الحكومة العراقية، قانونياً، السيطرة على كردستان لانها مازالت عائدة لها. لو ان صدام حسين رضخ إلى شروط الامم المتحدة، حينذاك ستسلم اليه كردستان العراق على الفور وسيقولون له: انها إقليمك. ولو قام طارق عزيز غداً بانقلاب عسكري واستلم السلطة في بغداد واعلن ان صدام في السجن ومستعد لنقل السلطة اليه وقال ايضا خذوه إلى المكان الذي أخذتم الصرب إليه، وأنني قادر، فوراً، على إعادة العلاقات بين العراق والغرب، سيدخل الجيش العراقي إلى السليمانية. ليس ثمة أي قانون، أي نصير دولي، أية اتفاقية سانتو او ناتو تقول أن كردستان عضو فيها وتقف بوجه الدولة العراقية. في مثل هذه الاوضاع، ما الذي ينبغي عليك قوله للجماهير؟

على استراتيجيي الحزب الشيوعي العمالي العراقي، استراتيجيي الشيوعية العمالية في العراق، الإجابة على هذه الاسئلة. في اوضاع اخرجت كردستان من كونها مجتمعاً، ومن ان يعاد انتاج اقتصادها، وحولت إلى ما يشابه مخيماً للتشرد، وفي اوضاع لا تكون الطبقات الاجتماعية فيها في علاقة مواجهة مع بعضها البعض، تلك العلاقة التي تشكل أساس المجتمع، بل تكون فيها في حالة انتظار تغير الاوضاع. ما هي الرسالة التي ينبغي علينا حملها بوصفنا حزباً شيوعياً عمالياً وحركةً شيوعية عمالية بحيث تلتف الجماهير حولنا واي افق علينا طرحه أمام الجماهير؟ انه سؤال جدي.

اننا نتحدث عن عدم تنامي قوانا. ولكن، في الواقع، في بلد يعيش الجميع فيه في ظل انعدام الأمن، ويفكر الجميع بمعيشة ما بعد غد، في مثل هكذا مجتمع كم من الممكن، في الحقيقة، أن يغامر شخص ما ويصبح إنساناً سياسياً، ويقف، بعد ذلك، في صف أكثر أقسام المجتمع راديكالية؟ وحتى لو كان هناك مثل هكذا انسان فإنه سيقول، من صميم قلبه، إن هؤلاء يتحدثون بأفضل الكلام. أي إنسان، من المجبرين على تامين معيشة عائلته، والغارق في روتين حياته، يأتي للانضمام إلى الحزب الشيوعي العمالي والعضوية في صفوفه؟

إن جانباُ مهم من القضية هو ماالذي سيكون عليه مستقبل كردستان؟ أ يمضي في المطاف الأخير نحو الاستقلال ام يعود جزءاً من العراق؟ ما الذي تقوله تركيا؟ هذه أسئلة تراود استراتيجيي الشيوعية العمالية في العراق، وينبغي تقديم إجاباتهم عليها. برايي، ان لهذه الاسئلة أجوبتها. يمكننا الاجابة على جميع الاسئلة وتنفيذ تلك الإجابات والمضي قدماً والاستفادة حتى من خصائص هذه الاوضاع لصالحنا. احدى خصائص هذه الاوضاع هي ان جلال الطالباني ليس بوسعه التصريح انه يتحدث بوصفه ممثل جماهير كردستان. انه يتحدث باسم الاتحاد الوطني. وما عدا الكوملة، لا احد يسميهم حكومة كردية. لا يطلق احد على هذه القوة الكردية تسمية محافظ السليمانية! فقط الكوملة تطلق تسمية محافظ السليمانية وبقية الجماهير تسميهم قوى الاتحاد الوطني! ان الاتحاد الوطني منظمة ويبقى منظمة.

لو كانت كردستان العراق دولةًً، لو كانت مستقلةً، واجريت انتخابات فيها، فان الاتحاد الوطني، على ما أعتقد، سيفوز بها. ولو جرت، بعد ٦ اشهر انتخابات حرة في السليمانية، في دولة كردستان العراق المستقلة، سيفوز الاتحاد بها مثلما فاز يلتسين في روسيا. سيفوز فقط بسبب أنه البوابة المفتوحة على الغرب، على المعونات الغربية، والمعونات التقنية والاقتصادية. ولو جاء الشيوعيون للسلطة، فان الغرب سيقاطعهم. وعليه، لن تفوزوا بوصفكم شيوعيون. بالتالي، الاعلام بيده، المال بيده، وطالما ليس ثمة مثل هكذا انتخابات وكردستان العراق ليس دولة أيضاً، يظل الاتحاد الوطني هو الاتحاد الوطني، وهذا يمنحنا القوة والاقتدار.

نحن قادرون على إخراج منظمة معينة من الميدان، وبوسعنا ان نمارس ضغطاً على منظمة ما، منظمة في حكومة غير موجودة، وحكومة تقول ان مشروعيتي نابعة من انتخابات جرت قبل سبعة أعوام وان ٢٠ مليون قد منحني صوته. إن الأمر ليس على هذا النحو. يمكن القول لهم أنكم جئتم بأنفسكم إلى السلطة والآن اخرجوا منها أيضاًً. ثمة لحظات مهمة على امتداد السنوات العشر هذه كان بإمكاننا أن نطبعها بطابعنا.

إنها القضية الأولى ذاتها. حين اندلعت حرب أمريكا والعراق، لم نكن حينها منظمين. عليه، مهما كان عليه الطرح الذي لدينا لن نتمكن من القيام بأفضل من هذا. ولكن ما أن سيطر البارزاني على السليمانية واخلت كل القوى المدينة، فان الحزب الشيوعي [العمالي] لم يخرج منها. لقد كان هذا خطئاً برأيي. وبتصوري كان على الحزب الشيوعي العمالي ان يظهر بمظهر وهيئة عسكرية، وان يخرج في نفس الوقت حاله حال جلال طالباني من المدينة ويمضي صوب الجبال. يسلح ثلاثين شخصاً ويمضى نحو الجبال. وحين يعودون، سيكون من محرري السليمانية. لقد كان ممكناً قلب الصورة الاجتماعية للحزب الشيوعي العمالي العراقي في تلك اللحظة. وهذا هو ما لم نقم به.

لقد تحدث كورش عن سبب بقاءنا في اطار التصورات التقليدية. وقد كان لدينا الكثير من الوقت والفرص. الحصار الاقتصادي الغربي على المجتمع العراقي، الوضع المعلق لمجتمع كردستان بالنسبة للجماهير. اعتقد ان الحزب الذي لا يدرك على أي المسائل يجب ان ينصب اهتمامه الآن كي يرتقي ويتطور، وإلى أي حد يمكن ان يرتقي ويتطور، لن يبلغ غايته. إذا ما أراد الحزب الشيوعي العمالي العراقي أن يتسلح الآن، عليه أن يعرف أية أبعاد يمكن أن يتخذها العمل المسلح هذا وما هي الأبعاد التي عليه اتخاذها فيما بعد؟ وإذا ما أراد بناء تنظيم علني عليه أن يعرف أي شكل يجب أن يكون عليه ذلك التنظيم العلني؟ اعتقد بأن الاجابة على هذه الاسئلة هي أمر ممكن. فهي ليست معقدة. إن شعار استقلال كردستان هو شعار واضح. ولكن طالما ليس ثمة قوة ذات اعتبار ترفعه، لا يمضي احد خلف هذا الشعار. وطالما ليس هناك شخص معتبر يصرح بوجوب استقلال كردستان العراق، لا يمضي احد وراءه. فالجماهير لا تقدم على ذلك بمحض أن نقوم بذلك في مقراتنا. وعليه كان ينبغي عليكم، قبل الآن بكثير، تشكيل جبهة داعية للاستفتاء ولا يكون الاستفتاء فيها أمراً شخصياً ولا شأناً خاص بمنظمتكم وتياركم. وفيما يتعلق بالاستقلال فإن من اللازم طرح المسالة بأبسط الأشكال واكثرها اقتصادية وقبولاً من قبل الجماهير، عبر خطباء كثر يصرحون بالقول: سيد طالباني، ألا تنظر إلى إندونيسيا، فما أن ساد فيها القليل من الهرج، حتى نالت تيمور الشرقية استقلالها. اذا لم يطرح في أوضاع كردستان العراق الراهنة موضوع استقلال كردستان، لا يمكن طرحه قط. ان اليوم الذي لا يدع فيه شخصٌ ما الحكومة المركزية تنتفض من مكانها هو هذه اللحظة. وإن أطيح يوماً ما بالحكومة البعثية، وجرت انتخابات على غرار تلك الانتخابات التي تجري في مثل هكذا بلدان، ووصلت الى السلطة في بغداد حكومة شبيهة بحكومة حسني مبارك، من ذاك الذي يكون مستعداً لاقتطاع جزء من ارض العراق؟ برايي، في مثل تلك الاوضاع يستحيل الحديث عن استقلال كردستان العراق.

اليوم، يمكن القيام بذلك. حيث يمكنكم الذهاب والقول ان هذه المنطقة مستقلة، ويمكنكم أن تبينوا أن لهذه المسالة أرضيتها. إذا كان هناك شخص ما يقوم بهذا العمل، فانه بحاجة إلى حركة داعية للاستفتاء وتحديد مصير كردستان. حركة يكون أحد أطرافها في نيويورك والآخر في السليمانية وأربيل. حركة لا تقيد نفسها بموازين الحزب الشيوعي العمالي والحركة الشيوعية العمالية، وتنطق بكلمتها. حركة تضع الميكروفون أمام أي شخص يقبل بمشروعها، وفي مثل هكذا حركة، وبمثل هكذا دعم، يمكنكم أن تقولوا الكثير.

وبرأيي، لقد بقي الحزب الشيوعي العمالي العراقي والحركة الشيوعية العمالية في العراق، في هذه المرحلة، تياراً محرضاً وداعية. حتى أنه لم يتحول إلى منظِّمٍ أيضاً. ومنظم بمعنى انه لم يتحول إلى ممثل احتجاج الحياة المعيشية والاقتصادية للجماهير المحرومة التي ليس لها حصة تذكر في هذا المجتمع. لقد غدا، في بعض الاحيان، ممثلاً لقضية المرأة التي هي ظاهرة مثيرة للاهتمام، وينبغي القيام بمثل هذه الأعمال بكثرة. ولكنه بقى تياراً داعياً ومحرضاً في الوقت الذي كان يجب ان يتحول إلى تيار سياسي، يقف في مقدمة صفوف الاحتجاج السياسي، والدفاع عن الحقوق المدنية والاوضاع المعيشية للجماهير، والاكثر من هذا برايي، في مقدمة النضال لتقرير المصير الحقوقي لكردستان.

إن مسألة "ما هي هوية كردستان؟"، هي، بتصوري، أكثر من نقطة دعائية في برنامجنا والتي تتضمن على ما يبدو أننا نريد لكردستان أن تستقل. بتصوري، كان علينا القول: إننا نقول يجب لكردستان أن تستقل وكان علينا الاجابة على شخص يسأل عن ما سيحل بمصير كردستان بعد ذلك؟ بالقول إذا أردت ان تكون مع دولة العراق، حسنا اذهب وأبدأ بمفاوضاتك وحدد مصير الجماهير. لأنه لا يمكن القبول بحكومة رئيس عشيرة لعشر سنوات بسبب أن المجتمع مجهول المصير. أما فيما يتعلق بوجوب توضيح مصير كردستان، كان بإمكاننا ممارسة اوسع اشكال الضغط على "الاتحاد الوطني" و"الحزب الديمقراطي". على سبيل المثال، لو كانت كردستان دولة، يمكن الحديث عن متى تجري الانتخابات فيها؟ لو كانت دولة، من هم الأشخاص الذين اعترفوا بها، لو كانت دولة، أين هي مؤسساتها؟ لو كانت دولة كيف يتم اختيار رئيسها؟ ولو كانت دولة فما هو دستورها؟ ومازال من الممكن القيام بهذا الأمر أيضاً ولسنا بحاجة للأسلحة من أجل ذلك. مازال بإمكاننا جذب الجماهير الى الميدان والقول أننا نحدد مصير كردستان.

اعود إلى نواقصنا الاساسية التي اشار لها كورش ايضاً. ويبدوا ان بعض الاسئلة تطرح هنا ايضاً. انه موضوع القيادة. ولا يعني موضوع افتقادنا للقيادة أننا نفتقر لشخص يقود بشكل جيد. الحركات الاجتماعية ليست مفصولة عن الاشخاص. ليس لدينا قيادة في ايران، ليس لدينا قيادة في العراق، وفي اوربا لا نملك، أساساً، أي شيء. ان يكون لديك قيادة ليس معناه، على سبيل المثال، ان نضع صورهم في الصحف. نحن بحاجة إلى اشخاص يقترن المجتمع بهم في هذه المرحلة. اناس قادة استقلال بلد ما ويبقون إلى اخر عمرهم ينظر الناس لهم ايضاً على انهم قادة الاستقلال. ان مصدق قائد تاميم النفط. وكل شخص يتحدث عن حركة تاميم النفط يرفع صورة مصدق. وذلك لانه اعطى خطاً في تلك الحركة، وكانت في فكره استراتيجية لذلك. ليس مهما ان كانت خاطئة ام صائبة. لقد فكر وقال " انا" ادفع بجماهيري صوب هذه الجهة او تلك. سارفع راسي عالياً واقول: هلموا ايها الناس نحو هذه الجهة، ان هذا العمل امر ضروري. ان غاندي نموذج آخر. قال غاندي انا انشد الاستقلال من الانكليز. من جهة اخرى، قال محمد علي جناح ايضاً اني انشد الاستقلال من الهند كذلك وغدا قائد جماعة. ان القائد هو الشخص الذي يخصص مرحلة من حياته وافكاره لتتجاوز جماهيره لحظة تاريخية معينة. في كردستان العراق، هذه اللحظة التاريخية المعينة هي اليوم. انها اول فرصة بوسع المجتمع المدني في مجتمع كردستان العراق ان يتطور، بوسعه ان يخرج من اسر قبائل وعشائر كردستان الشمالية والجنوبية.اذ يمكن اركان الموروث الهزيل للحركات القومية جانباً، وبالوسع ان يظهر كتيار راديكالي-يساري في المجتمع بوصفه رمز خلاص كردستان وان يضفي هوية اجتماعية وسياسية اخرى لكردستان. لم يقم بذلك. والمسألة ليست على النحو الذي يقولون فيه تعالوا كي تصبحوا قادة كردستان. ان استراتيجي هذه القضية يصبح قائداً. القائد هو الذي يقول بلغنا اليوم هذه المرحلة وعلينا القيام بهذا العمل. ان نقص القيادة ليس موضوعاً تنظيمياً ولا حتى انتقاداً كأن اقول مثلاً: امجد غفور! لماذا لم تصبح قائد حركة. وعلى حد قول احد الرفاق فان الجواب هو حسناً مادمت على معرفة بالقيادة لماذا لم تصبح أنت كذلك؟ واذا كانت مسالة القيادة سهلة إلى هذا الحد، حسنا لتقم انت بذلك؟ ان الشخص الذي يقول هذا هو نفسه لا يملك تلك المكانة في المجتمع. ان هذه الحركة بحاجة إلى استراتيجيها الذي اوقف هذه السنوات العشر من عمره على هدف نقل هذه المنطقة من النقطة A إلى النقطة B، ويتحلى برؤية لذلك. ان الاشخاص المنهمكين في هذه الحركة وارى زعمائهم، جميعهم من شيوعيي هذا المجتمع الجيدين، لكن أي واحد منهم ليس بقائد اجتماعي من أجل المجتمع حيث يقول: أنا رمز آمال وأماني مجتمع كردستان العراق هذه، وانني اقترن بهذه المسالة. وأينما قذفتم بي سأصرح بهذا الكلام، وبوسعك ان تقول ان استراتيجيتي هي كالتالي:

١- أخلص جماهير كردستان العراق من الهيمنة الفكرية العشائرية وحركات البيشمركة (الحركات المسلحة للقوميين الكرد- م) للسنوات الثلاثين الاخيرة. وبهذا الاتجاه أقوم بإصدار جريدة، ونصب إذاعة. وبهذا الاتجاه، أؤسس الجمعية الفلانية التي تمارس التوعية بين الناس.

٢- أخلص كردستان من غموض المصير الحقوقي-السياسي. ولهذا الغرض، ارسي حركة داعية للاستفتاء. وطبقاً لذلك، انظم اوسع حملة لجماعة ضغط في اوربا الغربية وامريكا تقول للجماهير باستمرار لقد منحوا الاستقلال لتيمور الشرقية، وهم على استعداد لمنح الاستقلال للصومال. وهناك أشخاص نالوا الاستقلال وهم لا يعرفون اساساً ان لهم مكاناً في هذا العالم. الابخازيون ما زالوا يطلبون ذلك من جورجيا. ناكوراوقرباغي استطاعت الاستقلال وان تفرض ذلك على ارمينيا. لقد نالت تيمور الشرقية استقلالها، وهي التي كان الجميع يعتقد ان إندونيسيا لن تمنحها الاستقلال تحت أي مبرر كان. في المطاف الاخير، ينبغي ان ياتي احد ما ويرتدي زيه الرسمي ليقول لجماهير العالم اننا ممثلي هذه الجماهير وينبغي تحديد مصير جماهير كردستان العراق هذه وإلا ستنشب الحرب. إنني أريد قائداً كي يقول كيف تنظم الشيوعية هنا.

اريد قائداً كي يقول كيف يمكن ان ينظم نمط مسلح بديل بوجه الحركات المسلحة القائمة. كلنا نعلم ان حزباً غير مسلح في كردستان العراق لن يحظى بأية فرصة. ان حزبا غير مسلح في اطار كردستان، سواء كردستان العراق او كردستان ايران او كردستان تركيا، وبالطبع تركيا بدرجة اقل، ولكن في اطار العراق وايران، اذا كان المرء عاجز عن رفع السلاح بيد ايضاً جنب إلى جنب أطروحاته السياسية، لا يمتلك ادنى حظوظ الظفر. ذلك ان البرجوازية مسلحة. اذا كانت البرجوازية مسلحة، ماهي استراتيجيتنا نضالنا المسلح؟ تقليد وتعقب اسلوب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني ام منظمة الكوملة السابقة؟ هل نستطيع ان نكون متفائلين في ان تكون لدينا قوة من الفي مسلح نستطيع تحمل تكاليفهم، فقط ان ندفع تكاليفهم؟. في هذه الأوضاع، ماهي استراتيجيتنا لخلق الامكانات المالية؟ على قائد ما ان يحسب كل هذه الامور ويقول انا امضي صوب هذه الجهة ويكون قادراً على ان يتقدم وتلبي نداءه مجموعة ما وان يجر معه صفاً معيناً. ويكون بإمكانه أن يتقدم ويتحدث بحدٍ من الوضوح ويوضح ويشجع بحيث يظهر عشرة أشخاص على الاقل ويقولوا ان هذا هو طريق قويم وسنمضي به الى نهايته. إنكم إذا جلستم ورحتم تتناولون القضايا وأنتم جالسين في مكانكم، فانه ليس بأمر كافي مهما اجبتم على المسائل الجديدة. ان هذا لا يخلق قائداً. القائد هو الشخص الذي يخلق قضية. يخلق قضية للمجتمع وللجبهة المقابلة له. ونحن لا نملك هذا في كردستان العراق وفي حركتنا في ايران والعراق. بالتالي إن هذا الأمر هو أمر ملموس قابل للشعور به في العراق، في حين أنه غير ملموس وغير قابل للإحساس به بعد في ايران. حيث مازلنا في ايران نمر باوضاع غير قانونية. في ايران، لو تتوفر ذرة من هذا الانفتاح السياسي، فان الحزب الشيوعي العمالي الايراني سيواجه بالضبط المسالة ذاتها، مسالة أننا لا نملك قائداً.

ينبغي على أشخاص معينين الوصول بأنفسهم الى مستوى قادة اجتماعيين تتعقب الجماهير، من خوزستان حتى خراسان، كلامهم، ويجذبون انتباهها إليهم وتتناقل وجهات نظرهم وآرائهم. بالنتيجة، أن أقيم ندوة صغيرة، أكتب كراساً او أتحدث في إحدى لجاننا، هي ليست بأسلوب ومنهج أحد شيوعيي هذه المرحلة. على شيوعي معين أن يذهب ويرفع صرخته في المجتمع وإبداع آلية للتأثير في المجتمع. الكل لديهم محطات تلفزة إلا نحن. في كردستان نفسها لدى حزب الكادحين ونقابة الصيادلة محطات تلفزةً، ونحن لا نتعقب الحصول على محطة تلفزة كما لو ان التلفزيون ما صنع من أجلنا. في ايران ذاتها المسالة على نفس المنوال أيضاً. الأمر هو بهذه البساطة نذهب ونشتري محطة تلفزة بمبلغ من المال. فلماذا لا نقوم بإيجاد الامكانات المالية؟ ذلك لاننا خرجنا من تقليد يبغي ان يبقى بموقع الادنى، وأن يبقى بمرتبة الشخص الثاني دوماً. ولا يحتاج اليسار لأن يقوم، مثلما يقوم اليمين، بخلق الإمكانات لحركته، لان امراً متغلغلاً في ذهنه وهو أن من المقرر ممارسته لدعايته في هامش المجتمع. ولكنك إن أردت أن تكون قائد المجتمع، يجب ان تكون لديك جريدة. وليس لدى الحزب الشيوعي العمالي العراقي جريدة منظمة تصدر كل مساء كسائر الجرائد الاخرى. إن حركةً ليس لديها جريدة، وليس لديها اذاعة دائمة، ولا تعرِّف الجماهير بشخصيات قادتها للحديث لهم ( بالطبع اننا نملك بعضها في اطار ونطاق السليمانية) كيف يمكنكم دفعها الى الأمام؟

ان التحلي باستراتيجية والدفع بالحركة من هذه المرحلة إلى تلك وتوفير مستلزمات هذا العمل هو الامر الذي نتعامل معه كعائق امامنا. مشكلات الحزب العراقي التي تعبر عن نفسها هي أمر متوقع منه. لم يقف احد بوجه ناسك احمد في الذهاب لمركز مدينة السليمانية ومخاطبة الجماهير، وهي الفرصة التي نفتقدها. فنحن لا يمكنا الذهاب لمخاطبة جماهير مدينة طهران، ولكن بوسع ناسك وطاهر وخسرو ومؤيد وكل هؤلاء الرفاق ان يقولوا إننا في الساحة الفلانية ونريد اللقاء بالناس والحديث معهم. وأن يذهب، على سبيل المثال، امجد غفور لبيوت الناس ويقول: انا امجد غفور من قيادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي واود الإطلاع على ارائكم بخصوص بعض المسائل. ان هذا العمل يقومون به هنا ايضاً، وفي نفس البلد حين يريد أحد ما ان يصبح نائباً، فإنه يتابط حقيبته ويطرق الابواب باباً باب. لدينا هذه الامكانية، بيد انه يدلل على ان ما لا نملكه هنا هو ذلك النوع من البشر وذلك الطراز من الشخصية السياسية.

ليس الامر هو اننا في الحزب الشيوعي العمالي العراقي لانملك هذه النمط من البشر، فيما الحزب الشيوعي العمالي الايراني حافل بالقادة. الحزب الشيوعي العمالي الايراني لا يملك ذلك ايضاً. لا ينتظر احد ما هذا الأمر من الحزب الشيوعي العمالي الايراني اليوم، ولكن هذا التطلع والانتظار في ان تطرح شخصاً على صعيد المجتمع، بدأ بالظهور تدريجياً ونحن نشعر بضغطه. بيد انه امر محسوس للحزب الشيوعي العمالي العراقي وحاجته الملحة اليوم. اذا لم يتوجه هؤلاء القادة برؤيتهم نحو المستقبل، لن تتقدم هذه الحركة. لان الحركات لا تتقدم بمحض انها جيدة، ازف وقتها تاريخياً او ان البروليتاريا موجودة. ليس للحركة السياسية أي معنى بمعزل عن قيادتها السياسية، وإذا صرح امرء ما بان اشكالات هذه الحركة تكمن هنا، ليس معنى هذا بان قصده النقد. ان قلت القيادة، فاني لا اقصد اللجنة المركزية واذا تحدثت عن النشاط المسلح لا أقصد رفاق المقر. هذا ليس هو الموضوع . بل إن الموضوع يتمثل في إننا لو قمنا بالتقاط صورة جوية لهذه الحركة، سنرى ان الحزب لم يكن موجوداً في تلك الاماكن التي كان يجب ان يكون موجوداً فيها. لماذا لم يحصل ذلك؟ ليس ثمة سبيل حل وصيغة جاهزة ايضاً. وليس كافياً ان تكتب مسودة ما، تكتب كتاباً ما، تعقد اجتماعاً، وتنظم كونفرانساً حتى تعالج هذه المسائل. ينبغي تنظيم حركات سياسية. ينبغي تنظيمها بمشقة وتعب، وكل ما نقوم به هو محاولات بهذا الاتجاه.

يقول بعض الرفاق لم نكن نعرف هذه المسائل سابقاً والان فهمناها. أيها الرفاق اننا، ولعشرين سنة، نتحدث عن خلق شيوعية اجتماعية تمضي من هامش المجتمع صوب قلبه، شيوعية تنحي جانباً الآليات الفرقية والعصبوية لتمسك بالآليات الاجتماعية، وكان هذا هو عملنا لـعشرين عاماً. هل معنى هذا ان على من يقول بهذا أن يمضي ليعد العدة كي يغدوا بنفسه قائداً في جميع البلدان بلداً بلدا؟ إن هذا ليس بأمرٍ عملي. نحن بصدد السعي لخلق رؤية في حركتنا، خلق قوة تشخيص تسود فيها هذه الاساليب ولا تسود فيها تلك الأساليب الفرقية الفئوية حتى يصبح بمقدور هذا الطراز من البشر التقدم للواجهة، وحتى يكون بوسع هذا النمط من البشر الظهور بهذه الهيئة والصورة. وعليه، ان العمل الذي ينبغي القيام به فيما يتعلق بالحزب العراقي هو، وقبل كل شيء، امتلاك استراتيجية معينة، استراتيجية تعرف ما العمل الذي ينبغي القيام به للتقدم والنمو في مثل هكذا بلد، بمكانة كهذه، وبهذا الغموض الاجتماعي، بهذه الامكانات السياسية-الاجتماعية، بهذه المحدوديات والامكانات التنظيمية.

لقد وجهوا لنا ضربات في هذه الفترة، حيث كان معلوما ان الاتحاد الوطني سيمسك، عاجلاً او اجلاً، بخناقنا. وتلك المقرات التي كانت بحوزتنا هناك، ربما أن علينا بعد تسع سنوات أن نغلقها في السنة العاشرة. ولكن لكل هذا سبيل حله. بتصوري، بوسع الحزب الشيوعي العمالي العراقي، وهو في هذا الوضع، أن يخلق الفرص. فمازال هذا الحزب حزباً علنيا-قانونياً في كردستان العراق. ومازلنا نتحدث عن أوضاع حزب قانوني-علني في كردستان العراق حيث تشبه حالته حال نهضت آزادي (نهضة الحرية) وحتى تيار الثاني من خرداد (التيار المناصر لسياسات وتوجهات خاتمي-المترجم) في طهران. ان حجاريان الذي اطلقوا النار على راسه شكل حزبه. إننا نتحدث باستمرار عن الإسلاميين ونقول أنهم يأتون للقيام بالنشاط الإرهابي. حسنا لقد صار من المعروف أنهم يقومون بالنشاطات الإرهابية. فالإسلاميون في طهران يغتالون رئيس الوزراء. اصابه الشلل، ولكن عاد مرة اخرى إلى الساحة. ان هذا هو حال النشاط العلني في بلدان العالم الثالث. وليس علينا أن ننتظر أن تكون الأوضاع مثلما هي عليه في بريطانيا والحصول على ضمانات بان لا يمارسوا الارهاب. نحن في مجتمع يمارس الاسلاميون فيه الاغتيال وانتم تبغون ان لا تسمحوا لهم بالاغتيال. على اية حال، اننا في وضع قانوني. ان وضعنا قانوني الان ايضاً. قال لنا الاتحاد الوطني انكم مواطنون، وبوسعكم ممارسة نشاطكم، ولكن لا نسمح لكم بان يكون لكم مقر. حسناً، ان هذا ما يقولونه الان، ولكن بالوسع ان نمضي ونقوم ببحثنا وان نقوم باي عمل نريد. ولكن ماهي آليتنا؟ واذا كنتم تتذكرون، لقد كان الحديث سابقاً، وقد كتبت انا عن ذلك وقلت ينبغي ان نتحول من قوة ثالثة إلى قوة اولى. يتمحور الحديث اليوم عن ان بوسعنا ان نغدو قوة ثالثة. في الحقيقة، ما هي السياسة التي بوسعها ان تحولنا من جماعة هامشية نسبياً، يبدوا انها اضاعت خطها ولاتملك خطة لمستقبلها، إلى قوة تتمتع بحضور في الميدان السياسي؟ اننا من حيث الدعاية، الترويج للمثل الانسانية، الترويج للمثل الشيوعية، الدفاع عن المراة، الدفاع عن العلمانية، الدفاع عن الاطفال في مجتمع كردستان والدفاع عن المحرومين ليس لدينا نقص. ان التحرك الشريف والثوري لقيادتنا وكوادرنا في هذا المجتمع كان هذا نفسه. واذا لم يكن لدينا هذا، لم نكن في كردستان العراق شيء. ولكن هذا الامر ليس بكافٍ. برايي، ينبغي ان نتحول إلى حركة ننقل البلد من هنا إلى هناك ونقول هذا الجماهير. اعتقد ينبغي رؤية تعقيدات كردستان العراق، وفي الوقت ذاته، ينبغي رؤية امكانياته ايضاً. وعلى غرار كورش، اعتقد ان المسالة تكمن بتحويل الشيوعية العمالية إلى حركة سياسية. ان الحركات السياسية ليست مفصولة عن القادة السياسيين الذين يبغون الدفع بتلك الحركة صوب جهة ما. اجمالاً، اعتقد ان هذه المكانة دليل حي على معضلة الشيوعيين والمجتمع والتي ليست فقط مقتصرة على حركتنا. انها معضلة الشيوعيين والمجتمع. كيف يمضي الشيوعيون من هامش المجتمع إلى قلبه ويغدون لاعبين اساسيين في الساحة السياسية لعصرهم. ان هذا الامر يمكن مشاهدته بشكل واضح في كردستان العراق.

انه البلاء الذي يحل بنا ايضاً. أي ان الحزب الشيوعي العمالي الايراني ايضاً، وحين تصبح الاجواء منفتحة ويتحرك نحو الميدان الاجتماعي، يرى ان الامر ليس بهذه البساطة. وضع ليس له ربط بكم ولكن الاعمال لاتسير للامام. لاتلتف الجماهير حولكم. ليس الامر بهذه البساطة لانه يوجد هنا لاعب اخر وقوانين اخرى. برايي، الموضوع مازال في اطار بحث الحزب والمجتمع أيضاً. إن قضيتي ليست سوء فهم فقط. بل قضية نظرة تاريخية أصيب بها الشيوعيين منذ فترات سابقة. وهي ان قلب المجتمع قد اعطي للبرجوازية، ان الصراع حول الافكار والعقائد والانماط والتقاليد قد اعطيت للبرجوازية. قضية ان وسائل الاعلام قد سلمت كاملة للبرجوازية، احيلت القدرة العسكرية بصورة تامة للبرجوازية وحل الشيوعيون انفسهم على شكل جماعة دعائية، تحريضية ساخطة في هامش المجتمع.

من المعلوم لو اعطي لنا عشرين سنة أخرى من الوقت في كردستان، لن نبلغ أي شيء ان كنا على هذا الحال. ينبغي ان نظهر بهيئة وصورة حزب سياسي يهدف إلى انتزاع السلطة ويعمل من اجلها


ترجمة: فارس محمود